المقالة في مادة دراسات القرآنية
الموضوع الضمائر في القرآن الكريم
الفصل الأول
مقدمة
الحمد
لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي، وعلى آله
ومن تبعهم إلى يوم البعث للجزاء والعقاب. أما بعد:
فإن
القرآن كلام إلهي لا يناظره أي كلام، فالقرآن معجزٌ وأسلوبُه معجزٌ، لا يستطيعُ
أحدٌ أن يُحِيط بكل مَرَامِيه ومقاصدِه، فاحتمل كثيرًا من المعاني، وكثيرًا من
الوجوه. والضمائر من إعجازه في الأسلوب.
ففي
هذه المقالة سنتناول عن الضمائر في القرآن، وقسمها الباحث على المباحث، وهي:
-
مفهوم
الضمير وأنواعه وغرض استعماله
-
التفات
الضمائر في القرآن
وأتمنى
أن تكون نافعة لنا وإن كانت ما تزال لها أخطاء ونقصان.
الفصل الثاني
الضمائر في القرآن
1-
مفهوم الضمير
وأنواعه وغرض استعماله
أ. مفهوم
الضمير
الضمير ما يكنى عن متكلم أو مخاطب أو
غائب، فهو قائم ما يكنى به عنه، مثل: أنا
وأنت وهو وكالتاء من كتبتُ وكتبتِ وكتبتَ وكالواو من يكتبون.[1]
الضمير على الجملة ثلاثة أنواع:
الأول: الضمير المتصل: وهو الضمير
المتصل بالاسم، كالضمير المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى والجمع. والأمثلة عليه ما
تقدم.
الثاني: الضمير المنفصل: هو ضمير بصيغة
المرفوع، مطابق لما قبله تكلماً وخطاباً وغيبة إفراداً وجمعاً، يقع بعد مبتدأ، أو
ما أصله المبتدأ، وقبل خبر كذلك، نحو قوله سبحانه: {وأولئك هم المفلحون} (البقرة)،
وقوله تعالى: {وإنا لنحن الصافون} (الصافات:165)، وقوله عز وجل: {كنت أنت الرقيب
عليهم} (المائدة:117)، قوله تبارك: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود:78). والأمثلة
كثيرة في القرآن.
هذا، ولا محل للضمير المنفصل من
الإعراب. وله ثلاثة فوائد: الإعلام بأن ما بعده خبر لا تابع. والتأكيد. والاختصاص.
الثالث: ضمير الشأن: ويسمى ضمير
المجهول: قال في ابن هشام: "خالف القياس من خمسة أوجه. أحدها: عوده على ما
بعده لزوماً؛ إذ لا يجوز للجملة المفسرة أن تتقدم عليه، ولا شيء منها. الثاني: أن
مفسَّره لا يكون إلا جملة. الثالث: أنه لا يُتبع بتابع، فلا يؤكد، ولا يعطف عليه،
ولا يبدل منه. الرابع: أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو ناسخه. الخامس: أنه ملازم
للإفراد". ومن أمثلته قوله سبحانه: {قل هو الله أحد} (الإخلاص:1)، وقوله
تعالى: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} (الأنبياء:97)، وقوله عز وجل: {فإنها لا
تعمي الأبصار} (الحج:46). وفائدته الدلالة على تعظيم المُخبَر عنه وتفخيمه، بأن
يذكر أولاً مبهماً ثم يُفَسَّر.
قال ابن هشام: "ومتى أمكن الحمل
على غير ضمير الشأن، فلا ينبغي أن يُحمل عليه"، ومن ثم ضَعَّفَ قول الزمخشري
في قوله سبحانه: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} (الأعراف:27) قال
الزمخشري: "والضمير في {إنه } للشأن"، قال ابن هشام: "والأولى كونه
ضمير الشيطان، ويؤيده قراءة (وقبيلَه) بالنصب، وضمير الشأن لا يُعطف عليه".
ت.قواعد
استعمال الضمير
استعمال الضمير في كلام العرب يخضع
لقواعد لا بد من مراعاتها واعتبارها، وهي:
1.
لا بد أن
يتقدم على الضمير اسم ظاهر يدل عليه، ويعود إليه، فقوله تعالى: {فاكتبوه} في {إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}[3]
الضمير هنا يعود على (الدين) في بداية الآية.
وتأسيساً على هذه القاعدة قرر اللغويون
أن الضمير إما:
-
أن يعود على
اسم ملفوظٍ به سابقٍ له، نحو قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه}[4].
-
أن يعود على
لفظ متضمِّنٍ له، نحو: {اعدلوا هو أقرب للتقوى}[5]،
فإن الفعل {اعدلوا} يتضمن الاسم العائد إليه الضمير، وهو (العدل).
-
أن يدل عليه
اللفظ بدلالة الالتزام، نحو قوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}[6]،
أي: القرآن، فإن (الإنزال) يدل عليه التزاماً.
وقد يأتي الاسم متأخراً لفظاً لا رتبة،
نحو قوله عز وجل: {فأوجس في نفسه خيفة موسى}[7]،
التقدير: فأوجس موسى خيفة في نفسه. وقد يأتي الاسم متأخراً مدلولاً عليه بدلالة
الالتزام، نحو قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم}[8]،
فقد أُضمِرت (الروح) لدلالة {الحلقوم} عليها. وقد يدل السياق على الاسم الذي يرجع
إليه الضمير، فيُضمر ثقة بفهم السامع وعلمه، نحو قوله تعالى: {ولأبويه لكل واحد
منهما السدس}[9]،
فالضمير يعود على الميت، ولم يتقدم له ذكر. وقد يعود الضمير على لفظ المذكور دون
معناه، نحو قوله سبحانه: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان}[10]،
فأعاد الضمير للأيدي؛ لأنها تصاحب الأعناق في الأغلال، وأغنى ذِكْرُ الأغلال عن
ذكرها. وقد يعود الضمير على بعض ما تقدم نحو قوله: {وبعولتهن أحق بردهن}، فإنه عائد
على قوله سبحانه: {والمطلقات}[11]،
فإنه خاص بالرجعيات، والعائد عليه عام فيهن وفي غيرهن.
2.
عَوْد الضمير
على لفظ شيء، والمراد به الجنس من ذلك الشيء؛ كقوله تعالى: {إن يكن غنيا أو فقيرا
فالله أولى بهما}[12]،
أي: بجنسي (الفقير) و(الغني)؛ لدلالة غنياً أو فقيراً على الجنسين، ولو رجع إلى
المتكلم به لأفرد الضمير.
3.
أن يُذكر
شيئان، ويُعاد الضمير إلى أحدهما، والغالب كونه الثاني، نحو قوله تعالى: {واستعينوا
بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة}[13]،
فأعيد الضمير لـ {الصلاة}؛ لأنها أقرب. ونحوه قوله سبحانه: {والله ورسوله أحق أن
يرضوه إن كانوا مؤمنين}[14]،
فأفرد الضمير في {يرضوه}، ولم يقل: (يرضوهما)؛ لأن الرسول هو داعي العباد إلى
الله، وحجته عليهم، والمخاطِب لهم بأمره ونهيه، وذكر الله تعالى في الآية تعظيماً،
والمعنى تام بذكر الرسول وحده.
قال ابن الأنباري: ولم يؤثر عود الضمير
إلى الاسم الأول في القرآن كله إلا في موضع واحد، وهو قوله عز وجل: {وإذا رأوا
تجارة أو لهوا انفضوا إليها}[15]،
فخص (التجارة) بعَوْد الضمير {إليها}؛ لأنها كانت سبب (الانفضاض) عنه، وهو يخطب.
قال: فأما كلام العرب فإن الضمير تارة يعود على الثاني، وتارة على الأول.
4.
أن يُذْكَرُ
شيئان، ويعود الضمير جمعاً؛ لأن الاثنين جَمْعٌ في المعنى، كقوله تعالى: {وكنا
لحكمهم شاهدين}[16]،
يعني حكم سليمان وداود، فعاد الضمير في {لحكمهم} جمعاً، وهما اثنان.
5.
أن يثنى
الضمير، ويعود على أحد المذكورين نحو قوله سبحانه: {نسيا حوتهما}[17]،
الحديث عن موسى وفتاه، فأعاد الضمير عليهما، وإنما نسيه الفتى.
6.
مجيء الضمير
متصلاً بشيء، ويعود لغيره، نحو قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}
يعني آدم: ثم قال: {ثم جعلناه نطفة} فهذه لولده، لأن آدم لم يُخْلق من نطفة.
7.
أنه إذا
اجتمعت ضمائر، فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف؛ ولهذا لما جوَّز
بعضهم في قوله تعالى: {أن اقذفيه في التابوت}[18]،
أن الضمير في {فاقذفيه في اليم} لـ {التابوت} وما بعده، وما قبله لموسى عابه
الزمخشري، وجعله تنافراً ومُخْرِجاً للقرآن عن إعجازه، فقال: "والضمائر كلها
راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى {التابوت} فيه هجنة؛ لما يؤدي إليه
من تنافر النظر"، قال: "فإن قلت: المقذوف في البحر هو {التابوت}، وكذلك
المُلقى إلى الساحل. قلت -الزمخشري-: ما ضرك لو جعلت المقذوف والملقى إلى الساحل
هو موسى في جوف التابوت؛ حتى لا تفرق الضمائر، فيتنافر عليك النظم، الذي هو قِوام
إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر".
وقد عقب الزركشي على قول الزمخشري بقوله: "ولا مزيد على حسنه".
وقد يأتي من الضمائر ما تختلف مراجعه،
كما في قوله سبحانه: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا
مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا}[19]،
فإن الضمير في الجار والمجرور {فيهم} عائد على أصحاب الكهف، والضمير في الجار
والمجرور {منهم} عائد لليهود.
8.
أنه إذا اجتمع
في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى، بُدئَ باللفظ ثم بالمعنى، قال السيوطي:
"هذا هو الجادة في القرآن"، والمثال عليه قوله سبحانه: {أفمن كان مؤمنا
كمن كان فاسقا لا يستوون}[20]،
فـ {مؤمنا} و{فاسقا} محمولان على لفظ (من)، و{لا يستوون} محمول على المعنى، بدليل
قوله تعالى بعد: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات}[21]،
وقوله عز وجل: {وأما الذين فسقوا}[22].
وذكر بعضهم أن من هذا القبيل قوله
تبارك وتعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها}[23]
فقد أفرد {ومن يطع}، {ومن يؤمن} وجمع في قوله: {خالدين فيها}، فرجع بعد الجمع إلى
الإفراد. وهذا التنويع في الحمل على اللفظ أو المعنى من بلاغة القرآن الكريم، ومن
مظاهر تماسك نصه وانسجامه.
ث.غرض
استعمال الضمير
قد ذكر أهل
اللغة أن الغرض الرئيس من استعمال الضمير هو الاختصار؛ قالوا: إن قوله سبحانه:
{أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} في ختام آية: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات}[24]
قام مقام عشرين اسماً لو أتى بها مظهرة. ونحو هذا ما نقله ابن عطية عن مكي قال:
"قوله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}[25]
الآية، إنه ليس في كتاب آية اشتملت على ضمائر أكثر منها، وهي مشتملة على خمسة
وعشرين ضميراً".
ومن أغراض
استعمال الضمير تفخيم شأن صاحبه؛ حيث يُجْعل لكثرة شهرته كأنه يدل على نفسه،
ويُكتفى عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته، والمثال عليه قوله تعالى: {إنا أنزلناه
في ليلة مباركة}[26]،
يعني: القرآن. ومنه أيضاً قوله عز وجل: {فإنه نزله على قلبك}[27].
ومن أغراض
استعمال الضمير التحقير، كقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين}[28]،
يعني: الشيطان. وقوله: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}[29]،
وهذا كثير، وهو من باب التحقير.
2-
التفات الضمائر
في القرآن
إن الالتفات
ينحصر مجال الضمائر، وهنا أود أن أشير إلى أنه لا ينحصر في هذا المجال كما انحصر
على أيدي كثير من البلاغيين في صور التحول بين أنواع الضمائر الثلاثة، بل إنه يشمل
أيضا التحويل عن الإضمار إلى إظهار، والتحويل عن تأنيث الضمائر إلى تذكيرة أو عن
تذكيره إلى تأنيثه ففي تقدير عن الالتفات في مجال الضمائر يتحقق في صور المخالفة
التعبيرية التالية:[30]
1.
بين الغيبة
والخطاب
فمن ذلك قول
الحق تبارك وتعالى : (Iwöq©9 øÎ) çnqãKçF÷èÏÿx £`sß tbqãZÏB÷sßJø9$# àM»oYÏB÷sßJø9$#ur öNÍkŦàÿRr'Î/ #Zöyz (#qä9$s%ur !#x»yd Ô7øùÎ) ×ûüÎ7B ) النور: 12.
ففي تلك الآية
الكريمة التى وردت في سياق حديث الإفك عدول يتمثل في قوله عز وجل "ظن
المؤمنون" حيث إسند فعل ظن إلى الإسم الظاهر والإسم الظاهر من باب الغيبة لا
إلي ضمير المخاطبين الملائم لظاهر السياق "ظننتم" وهو عدول يؤدى دوره في
تجسد المبالغة فب عتاب الله عز وجل للمخاطبين، ففي تحويل أفاضوا في هذ الحديث
الذى آذى رسول الله فلم يبادروا إلى نفيه
أو يجاهروا بتكذيب مروجيه قد تنكبوا وهم المؤمنون النهج الأمثل الذى تقتضيه صفة
الإيمان ومن ثم كان إخراج هذه الصفة فيهم
مخرج الشك مبالغة هذا العتاب وتحذيرا من الارتكاس في هذا الملك.
2.
بين التكلم
والخطاب
المواطن القرآنية التى تتمثل فيها تلك
الصورة قوله تبارك وتعالى: (ö@è% $ygr'¯»t ÚZ$¨Z9$# ÎoTÎ) ãAqßu «!$# öNà6ös9Î) $·èÏHsd Ï%©!$# ¼çms9 Ûù=ãB ÏNºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur ( Iw tm»s9Î) wÎ) uqèd ¾Çósã àMÏJãur ( (#qãYÏB$t«sù «!$$Î/ Ï&Î!qßuur ÄcÓÉ<¨Y9$# ÇcÍhGW{$# Ï%©!$# ÚÆÏB÷sã «!$$Î/ ¾ÏmÏG»yJÎ=2ur çnqãèÎ7¨?$#ur öNà6¯=yès9 crßtGôgs? ) الأعراف: 158.
فلقد جرى أسلوب علي طريقة التكلم في
إعلان الرسول عن رسالة للناس " إني رسول الله إليكم" ثم تحول إلى طريق
الغيبة الاسم الظاهر عند دعوتهم إلى الإيمان "فآمنوا بالله ورسوله" إذ
لو الآية الكريمة على نسق واحد لقبل: فآمنوا بالله وبى. وقد ذكر بلاغيون لهذا
التحول نكتتين:
الأولى: دفع التهمة عن شخص الرسول
والدلالة لايدعو إلى الإيمان به لذاته، بل إلى اتباعه بوصفه (رسولا) اصطفاه الله
سبحانه كى يبلغ الناس شريعة ويهدهم إلى نهجه القويم.
الثانية: أن التنعبير بالاسم الظاهر
(رسوله) قد هيأ لاتباعه بالصفات أجريت
عليه في الآية الكريمة من كونه نبيا أميا يؤمن بالله وكلماته وهي صفة تؤدى دورها
في إقناع الناس لو تأملوا بما يدعوهم إليه من إيمان.
3.
بين الغيبة
والتكلم
في محاولتنا
المتواضعة لاستقصاء مواظن الالتفات في القرآن الكريم (في الثبت الملحق بهذا البحث) لم نجد إلا موطنا واحد
للالتفات في تلك الصورة (تكلم وخاطب) والواقع أن الالتفات في هذه الصورة مما يندر
تحققه في لغة الكلام، وذلك للتوازى أو التباين التام بين موقفي الطاب والتكلم، ففي
مواقف أو السياق الواحد لا يتصور أن يكون الشخص الواحد إلا على نحو من أنحاء
التجوز متكلما مخاطبا، أو مرسلا ومستقبلا في ان واحد وقد سبق أن صورة الالتفات لا
تتحقق فلا إذا كان المراد بالمتلفت غليه هو عين المراد بين المتلفت عنه.
أما هذا
المواطن المشار إليه فهو قول الحق تبارك وتعالى على لسان الرجل المؤمن الذى جاء
ينصح قومه بعد تكذيبهم للرسل:
((#qãèÎ7®?$# `tB w ö/ä3é=t«ó¡o #\ô_r& Nèdur tbrßtGôgB ÇËÊÈ
$tBur uÍ< Iw ßç7ôãr& Ï%©!$# ÎTtsÜsù Ïmøs9Î)ur tbqãèy_öè? ÇËËÈ)يس: 21-22.
على أن هناك
من البلاغيين من ذهب إلى أن هذا الموطن لا يعد من الالتفات، وذلك لعدم اتحاد
المعنى أو الجهة بين الخطاب في الآية الأولى والتكلم في الثانية، إذ إن المتكلم هو
الرجل المؤمن والخطاب لقومه لا له بدليل إسناد فعل الرجوع إلى ضمير جمع.
4.
من التكلم إلى
الغيبة
كقوله تعالى
"ö@è% $ygr'¯»t ÚZ$¨Z9$# ÎoTÎ) ãAqßu «!$# öNà6ös9Î) $·èÏHsd Ï%©!$# ¼çms9 Ûù=ãB ÏNºuq»yJ¡¡9$# ÇÚöF{$#ur (
Iw tm»s9Î) wÎ) uqèd ¾Çósã àMÏJãur (
"
5.
بين الإضمار
والإظهار
في ثنايا حديث
البلاغيين عما أسموه مخالفة مقتضى الظاهر ورد ذكر التبادل بين الإضمار
والإظهاربوصفه لونا من ألوان تلك المخالفة، وبتأمل الشواهد الأمثلة التى ساقها
البلاغيون المخالفة في هذا اللون يتبين لنا أنها تستمثل عندهم في ثلاث صور هي:
أ.
وضع الضمير
موضع الاسم الظاهر
وذلك كما في
قوله تعالى: (óOn=sùr& (#rçÅ¡o Îû ÇÚöF{$# tbqä3tGsù öNçlm; Ò>qè=è% tbqè=É)÷èt !$pkÍ5 ÷rr& ×b#s#uä tbqãèyJó¡o $pkÍ5 (
$pk¨XÎ*sù w yJ÷ès? ã»|Áö/F{$# `Å3»s9ur yJ÷ès? Ü>qè=à)ø9$# ÓÉL©9$# Îû ÍrßÁ9$# )
الحج: 46. وقوله: (`tB tb%x. #xrßtã °! ¾ÏmÏGx6Í´¯»n=tBur ¾Ï&Î#ßâur @Îö9Å_ur @8s3ÏBur cÎ*sù ©!$# Arßtã z`ÌÏÿ»s3ù=Ïj9) البقرة: 98. فليس هناك ما يعود عليه ضمير الشأن في الآية الأولى،
أو ضمير القصة الثانية أو الضمير في (نزله) في الثالثة ومن ثم فإن ورود كل من
الصمائر الثلاثة بعد خروجا على مقتضى الظاهر.
ب. إظهار
ما سبق إظهاره
وذلك كما في
قوله تعالى: (tA£t6sù úïÏ%©!$# (#qßJn=sß »wöqs% uöxî Ï%©!$# @Ï% óOßgs9 $uZø9tRr'sù n?tã tûïÏ%©!$# (#qßJn=sß #Yô_Í z`ÏiB Ïä!$yJ¡¡9$# $yJÎ/ (#qçR%x. tbqà)Ý¡øÿt) البقرة: 59. وقوله سبحانه: (Èd,ptø:$$Î/ur çm»oYø9tRr& Èd,ptø:$$Î/ur tAttR 3.....) الأسراء: 105. وقوله : ( y7Í´¯»s9'ré& Ü>÷Ïm «!$# 4
Iwr& ¨bÎ) z>÷Ïm «!$# ãNèd tbqßsÎ=øÿçRùQ$#) المجادلة: 22. فلقدكان مقتضى الظاهر أن يقال في الآية الأولى
فأنزلنا عليهم وفالثانية وبه نزل وفي الثالثة ألا إنهم هم المفلحون.
ج. إظهار
المضمر
ذلك مثل قوله
عز وجل: (bÎ)ur (#þqèWs3¯R NßguZ»yJ÷r& .`ÏiB Ï÷èt/ öNÏdÏôgtã (#qãZyèsÛur Îû ôMà6ÏZÏ (#þqè=ÏG»s)sù sp£Jͬr& Ìøÿà6ø9$# ...) التوبة: 12. وقوله: ((#þqç6Ågxur br& Mèduä!%y` ÖÉZB öNåk÷]ÏiB (
tA$s%ur tbrãÏÿ»s3ø9$# #x»yd ÖÅs»y ë>#¤x.) ص: 4. ففي صدر من كل الآيتين ورد التعبير بالضمير "نكثوا-وعجبوا"
ومن ثم كان مقتضى الظاهر أن يكون فيقال في الأولى فقاتلهم في الثانية.
6.
بين تذكير
الضمير وتأنيثه
الصورة الأخرة من صور الالتفات في مجال
الضمائر هي التحول تذكيرة الضمير إلى تأنيثه أو العكس ولتحديد هذه الصورة نشير إلى
ما يلى:
ü أنها
لا تتحقق إلا إذ كان مرجع الضميرين الضمير التذكير والمؤنث واحد إذ الالتفات كما
أسلفنا لا بتأتى إلا إذا اتحد المعنى أو الجهة بين الملتفت عنه والملتفت إليه.
ü كما
أنها لاتحقيق إلا إذا كان مرجع الضمير مما
يجوز تذكرة وتأنيثه، أي أن يكون تأنيثه مجازيا لاحقيقيا إذ إن عود ضمير
التذكيرة على المؤنث الحقيقى مما لا يقره
نظام اللغة.
ü ليس
من هذه الصورة ما ذكره بعض البلاغيين في باب "نقل الكلام إلى غيره" أو
"إقامة صيغة مقام الأخرى" من تذكير المؤنث كما في قوله جل شأنه: (#sÎ)ur u|Øym spyJó¡É)ø9$# (#qä9'ré& 4n1öà)ø9$# 4yJ»tGuø9$#ur ßûüÅ6»|¡yJø9$#ur Nèdqè%ãö$$sù çm÷YÏiB ....) النساء: 8. أو تأنيث المذكر كما في قوله تعالى: (úïÏ%©!$# tbqèOÌt }¨÷ryöÏÿø9$# öNèd $pkÏù tbrà$Î#»yz) المؤمنون: 11. إذ ليس في السياق الآية الأولى ضمير تأنيث يعود
على قسمة، ولا في سياق الثانية ضمير تذكير يعود على الفردوس، أي أن هذا أو ذاك ليس
تحولا عما يقتضيه سياق الكلام بل عما يقرره نظام اللغة في توزيعه للمسميات
والأسياء بين التذكير والتأنيث وعلى ذلك فإن تذكير القسمة في الآية الأولى
"منه" وتأنيث الفردوس في الآية الثانية "فيها" ليسا من
الالتفات بل هما من باب " الحمل على المعنى وهذا ما يبدو جليا في توجيه
البلاغيين الآيتين حيث قالوا في الأولى
ذهب القسمة إلى القوم وقالوا في الثانية إن ضمير التأنيث هو حمل معنى
الجنة".
الفصل الثالث
الخاتمة
1.
الخلاصة
الضمير ما يكنى عن متكلم أو مخاطب أو
غائب، فهو قائم ما يكنى به عنه، مثل: أنا
وأنت وهو وكالتاء من كتبتُ وكتبتِ وكتبتَ وكالواو من يكتبون.
الضمير على الجملة ثلاثة أنواع: الأول:
الضمير المتصل: وهو الضمير المتصل بالاسم، كالضمير المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى
والجمع.الثاني: الضمير المنفصل: هو ضمير بصيغة المرفوع، مطابق لما قبله تكلماً
وخطاباً وغيبة إفراداً وجمعاً، يقع بعد مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وقبل خبر كذلك،
الثالث: ضمير الشأن: ويسمى ضمير المجهول.
استعمال الضمير في كلام العرب يخضع
لقواعد لا بد من مراعاتها واعتبارها، وهي:
1.
لا بد أن
يتقدم على الضمير اسم ظاهر يدل عليه، ويعود إليه. وتأسيساً على هذه القاعدة قرر
اللغويون أن الضمير إما:
-
أن يعود على
اسم ملفوظٍ به سابقٍ له، نحو قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه}.
-
أن يعود على
لفظ متضمِّنٍ له، نحو: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} فإن الفعل {اعدلوا} يتضمن الاسم
العائد إليه الضمير، وهو (العدل).
-
أن يدل عليه
اللفظ بدلالة الالتزام، نحو قوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أي: القرآن،
فإن (الإنزال) يدل عليه التزاماً.
2.
عَوْد الضمير
على لفظ شيء، والمراد به الجنس من ذلك الشيء.
3.
أن يُذكر
شيئان، ويُعاد الضمير إلى أحدهما، والغالب كونه الثاني.
4.
أن يثنى
الضمير، ويعود على أحد المذكورين.
5.
مجيء الضمير
متصلاً بشيء، ويعود لغيره.
6.
أنه إذا
اجتمعت ضمائر، فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف.
7.
أنه إذا اجتمع
في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى، بُدئَ باللفظ ثم بالمعنى
قد ذكر أهل اللغة أن الغرض الرئيس من
استعمال الضمير هو الاختصار، وتفخيم شأن صاحبه والتحقير.
التفات الضمائر في القرآن: بين الغيبة
والخطاب وبين التكلم والخطاب وبين الغيبة والتكلم ومن التكلم إلى الغيبة وبين
الإضمار والإظهار.
2.
الاقتراح
هذه المقالة
ما زالت لها أخطاء ونقصان فنسأل من كل إخوان وأخوات تداخلات أو اقتراحات لكمال هذه
المقالة وأحسن التعلم وعلي الأخص منهج البحث اللغوي في كلية الدراسات العليا.
المراجع
القرآن
الكريم
مصطفى
الغلايينى، جامع الدروس العربية، 1993، بيروت، المكتبة العصرية.
د.
حسن طبل، "اسلوب الالتفات فى البلاغه القرآنيه"، 1998، دار الفكرى
العربى.